بغياب 10 دول قدمت ترشيحاتها العام الماضي، إدراج 85 فيلماً ضمن القائمة الطويلة لأوسكار أفضل فيلم دولي.
حاورها محمد زرزور لصالح صفحة السينما في صحيفة التيار السودانية.
· كيف بدأت حكايتك مع السينما، وأين بدأت؟
تخرجتُ من كلية إعلام القاهرة عام 2015، أيّ أنني بدأت الدراسة عام 2011 _ عام الثورة_ وعندما كنت في السنة الأولى عرض علينا الدكتور عدلي رضا _رحمه الله_ فيلم (المملكة)، ومن لحظتها شعرت أنه هذا هو اهتمامي الحقيقي، وهو ما أحب، وكانت علاقاتي مع الأفلام الوثائقية مرتبطة بما يُعرض على شاشات التلفزيون، فكنت أرى للمرة الأولى فيلم وثائقي مقدم بهذه الطريقة، فزاد شغفي تجاه السينما، وبدأت أبحث عن كيفية صنعها، وماهي الأشياء التي يجب أن أهتم بها لأصنع فيلماً، فتعلمت التصوير، والمونتاج، وذلك من خلال دراستي في كلية الإعلام، واتباعي لبعض ورشات العمل التي كانت تُقام فيها، وكان مشروع تخرجي فيلماً وثائقياً بعنوان (الأرض المحبوبة) عن الشخصية المصرية.
وبعد تخرجي كنت دائمة البحث عن الطرق التي يجب أن أنتهجها لأتعلم صناعة السينما، وخاصة الأفلام الوثائقية، واستطعت خلال عام احتراف المونتاج، وبدأت بتحصيل عائد مادي من هذه المهنة، مما شجعني على سلك هذا الطريق كمحترفة.
وفي عام 2017 شاركتُ في ورشة متخصصة استمرت حوالي 7 أشهر مع المخرجة الألمانية فرانشيسكا ارايزا، من خلال مشروع /علّي صوتِك/ لتعليم النساء مهارات تعليم الأفلام الوثائقية، من خلال تكوين فرق عمل نسائية لإنتاج الأفلام، وقد ساعدتني المخرجة الألمانية، وقدمت لي كلّ الدعم المعنوي لأستطيع انتاج فيلم كمستقلة، فصنعت فيلمي (ستات مالهاش غير) الذي عُرض في معهد جوتة عام 2017 إلى أن سمعت عن "المدرسة العربية للسينما، والتلفزيون".
· ماذا قدمت لك "المدرسة" من خبراتٍ نظرية، أو عملية؟
التحقتُ بالمدرسة عام 2017 وبعد أن أنهيت الدراسة بدأت في تصوير مشروع تخرجي الذي انتهيت منه عام 2018 تحت اسم (إرادة روح) عن قضية الدمج المجتمعي لذويّ الهمم، والذي يتناول قصة مجدي شهير، ورحمة خالد التي باتت اليوم من أشهر الشخصيات في عالم ذويّ الهمم، وقد حظيّ الفيلم بتصفيق حار ّمن الجمهور، لأنه فيلم إنساني لأبعد الحدود، وكذلك كانت ردة فعل النقاد إيجابية.
وكانت هذه التجربة مهمة جداً لي، جعلتني أقرب إلى عالم السينما، وبدأت بالدخول في عالم المهرجانات، حيث عُرض الفيلم في عدة مهرجانات داخل، وخارج مصر، وقد حاز الفيلم على الجائزة الفضية في مهرجان إيراتو لحقوق الإنسان.
وقد كانت تجربتي في "المدرسة" مميزة جداً، كوني أول خريجة منها، وكان ذلك عام 2018 بالرغم من أنها تأسّست عام 2002، حيث كانت تمنح سابقاً شهادة تخصصية بالمنهج المُتبع من قبل الطالب سواء تصوير، أو إخراج، أو أيّ تخصص آخر، أما أنا، فكنت أول من تخرج بعد دراسة جميع المواد بما فيها مشروع التخرج.
وكانت الدكتورة منى الصبان مديرة المدرسة الداعمة الأساسية لي، ودائماً كنت أحظى بتشجيعها، وقد منحتني المدرسة فرصة عرض الفيلم في قاعة سينما الهناجر في دار الأوبرا المصرية من خلال الملتقى الأول للمدرسة، وكان ذلك بحدّ ذاته شعوراً مختلفاً عندما تعرض فيلمك في قاعة سينمائية، وأمام جمهور.
وأيضاً تخرجي من "المدرسة" أهلني للحصول على امتياز مهم آخر، وهو عضوية نقابة المهن السينمائية، ومن هنا بدأت رحلتي الحقيقية إلى عالم السينما، وأصبحت أكثر دراية بتفاصيل الصناعة السينمائية، واستطعت الاستمرار إلى الآن بالرغم من كلّ الصعوبات، والعراقيل التي واجهتها.
· في (مُمكن نتوه) هناك العديد من التساؤلات بشكلٍ مختلف عن قضايا ارتبطت بالاتجاه النسويّ، هل تبحثين عن إجابة محددة، وترغبين بإيصالها إلى الجمهور؟
تناول الفيلم حكايات حقيقية لفتيات عاديات، وهذا برأييّ من العناصر التي تميز بها الفيلم، فأنا لم أتطرق لقصة فتاة ناجية من حادث صعب، أو فتاة حققت إنجازاً ما، فهو يتحدث عن قصص تحدث معنا كلّ يوم، ولا توجد أيّ علاقة تربط بينهن، فكلّ واحدة منهن سردت حكايتها بطريقتها، وتحدثت عن ذكرياتها، وعن طفولتها، ولكن التقت هذه الحكايات مع بعضها من خلال بعض التفاصيل التي نعيشها يومياً، وهذا ما يرينا صوراً نمطية معينة بشكلٍ جديد، ويطرح تساؤلات اعتدنا أن نراها في حياتنا بشكلٍ معين، ولكن من زاوية جديدة، وقد نجد إجاباتٍ عليها بطريقة مُرضية أكثر.
أنا لا أوجه الجمهور لأيّ إجابة محددة، لأن هدفي الرئيسي هو الإيمان أكثر بتقبّل الآخر، ونعقل الأفكار، ونقدر دوافع الشخصيات، ونرى هؤلاء البنات العاديات في رحلتهم المتكررة يومياً، وكيف تنعكس ذكريات الطفولة التي روينًها في المجتمع العربي، والمصري بالتحديد.
· بدأ الفيلم بجملة لأرسطو /إن من علامات العقل المتعلم القدرة على تأمل الفكرة دون قبولها بالضرورة/ هل برأيك المجتمع الشرقي يقبل مجرد الـتأمل بمجموعة الأفكار التي طُرحت على لسان المتحدثات في الفيلم من سيطرة المجتمع الذكوري، والقيود المجتمعية المرتبطة بالسلوك، والنهج الديني، ..؟
مجتمعاتنا، بكلّ فئاتها، ليست جاهزة لتقبّل جميع الأفكار، واتخاذ موقف منها، سواء بالتأييد، أو الرفض، كلّياً، أو جزئياً، وأن يحتفظ كلّ شخص برأيه، وموقفه، للأسف حتى الآن لم نصل إلى هذه المرحلة.
ولكن، نظراً لحجم التحديات الموجودة، بسبب عوامل عالمية، وأخرى ذاتية، سيفرض علينا النضج لمواجهة هذه التحديات، ومن هذه العوامل أزمة الهوية، وأزمات الاغتراب سواء كلجوء، أو هجرة، أو حتى اغتراب العمل، فهذه التساؤلات لم تُذكر في سياق الفيلم عبثاً، فأنت اليوم من خلال التطور التكنولوجي في العالم، والانفتاح على جميع المجتمعات، أصبحت بحاجةٍ ماسة لفرض تغيرات في أسلوب التفكير، وخاصة
في دول العالم الثالث، فأصبح النضج ضرورة لإيجاد حلول مختلفة، مع ضرورة تغيّر العقلية لنرى الحل بشكلٍ مختلف، فحتى لو أننا لسنا مستعدين لتقبل كلّ الأفكار ، واتخاذ موقف منها، إلاّ أن حجم التحديات سيفرض علينا أن نكون جاهزين.
· ماهي الغاية من استخدام اللقطات البطيئة التي ترصد حركة الناس قبل الدخول في أجواء الفيلم؟ وقد تمّ استخدامها مرتين بنفس الطريقة عندما اقترب الفيلم من نهايته.
في الفيلم أرويّ حكاية المدينة، القاهرة، والتغيرات التي تحدث فيها، من خلال حال النساء في هذه المدينة، وهنّ اللواتي عشن، وتربين خارجها، وقد استخدمتُ لقطات من الشارع في أكثر من مناسبة، ولكن، كان استخدام اللقطات البطيئة بهدف إظهار مدى تأثير هذه القصص في الشارع، وقدرتها على تغيره، ولو كان هذا التأثير ليس فورياً، وإنما سيصبح أكثر فعالية مع الزمن.
· ظهرت صورة أحد أغلفة كتب نوال السعداوي في الدقائق الأولى للفيلم كخلفية لإحدى المتحدثات، هل كان رسالة تعبر عن أهداف الفيلم بالدفاع عن حقوق المرأة، أم أنها مجرد صدفة؟
لم يكن ظهور الغلاف مجرد صدفة في الخلفية عندما كانت تتحدث عبير، ولكن، هذا لا يعني بالضرورة تبنيها لأفكار نوال السعداوي، ولكن، تعمدنا وجود الغلاف لنؤكد بأنها قرأت فعلاً كلّ ما كتبت نوال السعداوي، ولنبين الخلفية الثقافية للمتحدثة، واطلاعها على كلّ ما يدور حولها.
· هل واجهتك صعوبات بإيجاد فتيات قادرات على التحدث عن مشاكلّهن أمام الكاميرا بهذه الجرأة؟
بالتأكيد، واجهت صعوباتٍ، حتى أنه لا تربط أيّ علاقة شخصية بين البطلات الثلاث، ولكن يلتقين معاً ببعض الأفكار، ويختلفن بكثير من الأشياء.
فهن يتشابهن بالعمر، وبالمستوى المعيشي، والتعليمي، ولكن يعشن ضمن أسرٍ متباينة من حيث التوجه العام.
وقد قابلت العديد من الفتيات، وطلبت منهن إجراء حوار، ولكن الكثير منهن رفض فكرة التصوير تماماً، وحتى مع الاختيارات الأخيرة للفتيات اللاتي صورنا معهم كنا نعاني من الكثير من القيود في التصوير، كمنع ظهور الأهل مثلاً، أو منع التصوير في بعض الأماكن لأسباب مختلفة.
ناهيك عن مشاكل التصوير في الشارع أساساً، ربما كانت قناعتي في تلك اللحظات هو أن أحصل على كلام حقيقي نابع من القلب، وردود أفعال، ومشاعر حقيقية، واعتبر وقوفهن أمام الكاميرا، والحديث عن عدة تجارب خاضوها تلامس الكثير من الفتيات في مجتمعنا، كان أهم إنجاز لي لصنع هذا الفيلم.
· ماهي المهرجانات التي سيشارك بها الفيلم قريباً، وماذا تتوقعين من هذه المشاركات؟
سأبدأ بتوزيع الفيلم بعد الانتهاء من المكساج، والتلوين رُبما في إبريل 2023، وإن شاء الله بانتظار مشاركات عديدة من بعض المهرجات، وأتمنى من هذه المشاركات سماع صوت مختلف، فأنا أشعر بأنني
أتحدث في الفيلم عن ذكريات عامة أثرت فينا كمصريين، ولكن برواية جديدة نوعاً ما، ربما كانت منسية، أو غير محسوس بها.
فأنا أطرح قضايا نسوية بشكلٍ مختلف، فالبطلات هن من بيئة مثالية، ومتعلمات، ومثقفات، ولم تجبرهن الظروف على الزواج المبكر مثلاً كما يحدث مع الكثير من الفتيات، ولم يتعرضن للعنف بشكلٍ مباشر وصريح.
فهن تعرضن لنوع معين من الألم النفسي، والتقييد الفكري الذي يكاد يصل إلى درجة القهر، فكلّ منهن لا تملك الحرية في اختيار مصيرها، مما يؤثر على نظرتها في اختيار شريك حياتها، وبناء أسرتها مع أطفالها من نفس المجتمع، وكذلك أثر ذلك على أمومتها مستقبلاً، وكيفية نظرة المجتمع إليها كامرأة.
اعتقد أنني أتكلّم عن مشكلة من مشاكل المرأة بطريقة غير معتادة، وأتمنى من خلال المشاركة في المهرجانات أن تصل هذه المشكلة، وبهذه الطريقة، وأن يتم كسر الصورة النمطية لطريقة معالجة الدراما والسينما لقضايا المرأة بشكلٍ خاص.
· أين، ومتى "مُمكن نتوه"؟
"ممكن نتوه" في داخل أنفسنا عندما نكتشفها، أتمنى أن نتوه في نفس اللحظة عندما نكتشف أنفسنا، واسم الفيلم يحمل معنيين، فالأول قد يكون دعوة للضياع (يلا نتوه)، والمعنى الآخر أنه ماذا قد يحصل لو ضعنا، ولنتقبل ذلك، وربما لو أضعنا طريقنا قد نجد طريقاً افضل منه.
· لمن يتوجه الفيلم، وهل الهدف تغيير المجتمع عبر السينما، أم أنها مجرد صرخة تنتظر مئات الصرخات من أخريات؟
أتوجه بهذا الفيلم للبنات، والشابات العربيات، وخاصة المتعلمات منهنّ، وبكلّ تأكيد أسعى لتغيير شيء في المجتمع، فكلّ شخص يجب أن يسعى للتغيير، ولكن لا يحدث ذلك من فيلم واحد، ربما مستقبلاً، وبعد جولة المهرجانات أسعى لحملة تأثير للقضية التي يثيرها الفيلم، وسيكون هذا الفيلم جزء من سلسلة تعنى بالقضايا النسوية كمشكلة الاكتئاب بعد الولادة مثلاً لتقديم طرح مختلف حول شعور نساء العصر الحالي بالأمومة.
بالتأكيد، السينما قادرة على التغيير المجتمعي، وتعتبر الأفلام الوثائقية أقوى وسيلة للتغيير، لأنها تنبع من قصص حقيقية، وهذا يتعلق بقدرة استخدام صانع الفيلم لكلّ عناصر اللغة السينمائية بطريقة صحيحة، ومدى تأثيره يرتبط حكماً بمدى قدرته على اقناع المشاهد.
لكن، تبقى امكانية وصول الأفلام المستقلة لشريحة واسعة من الجمهور ضعيفة، وبالتالي يكون التأثير ضعيف.
ودورنا، نحن كصناع أفلام وثائقية، ينبع من عكس مشكلات المجتمع إلى السينما بالأسلوب الذي نراه الأنسب، والأسهل بالوصول إلى الجمهور سواء بنوع القضية التي نطرحها، أو بأسلوب الطرح الذي نعتمده.الع
الحوار نًشر في العدد 2931 من صفحات السينما في جريدة التيار السودانية
بإشراف المخرج السوداني إبراهيم عمر.
تحرير صلاح سرميني.