فيلم "بضع ساعات في يوم ما".. حلم كل راجل وست في الفلانتين!

كتبت: نرمين حلمي
هل تعلم أن الصدفة يمكن أن تكون سبباً في ميلاد قصة إنسانية صعبة؟ .. وما الحياة إلا مواقف ومشاعر متضاربة تكشف كل إنسان لنفسه وتغير مساره.. هكذا تجسمت الصدفة والمشاعر والإنسانية في حكايات أبطالنا اليوم!
فيلم "بضع ساعات في يوم ما" المعروض حديثاً بدور عرض السينما التجارية المصرية والعربية، قد يكون الاختيار الأمثل؛ إذا كنت تبحث عن فيلم رومانسي تشاهده بفبراير؛ شهر الحب "فلانتين".
سواء كان بصحبة رفيق محبب لقلبك صديق مقرب أو شريك عمر، أو ستشاهده بمفردك في لحظة استثنائية لا تخلو من محاولات مكاشفات الذات، واكتشاف كل ما تخفيه النفس بعيداً عن المواجهات الحرة القوية.
بطولة مشتركة كما يجب أن تكون!
يستعرض الفيلم الحدوتة المأخوذة عن رواية الكاتب محمد صادق، بعين المخرج عثمان أبو لبن، والتي تشكل حالة فريدة بانورامية للشخصيات؛ رغم كثرة الثنائيات وأبعاد القصص على المستوى الرومانسي والنفسي المُعمق، والمتصل بالمشكلة العاطفية والاجتماعية التي تؤرق كل شخصية بالفيلم.
أن تجد بطلاً رئيسياً واحداً تتماهى معه في فيلم "بضع ساعات في يوم ما"، معادلة صعبة بكل تأكيد، خاصة وإنك حقاً ستجد جزءًا منك في نسيج حكايات كل بطل وخصمه؛ المساحات متقاربة والأدوار تتبدل بدقة وسرعة مدروسة، هُنا الثنائيات تسير في نفق الإنجذاب، رغم إنه كل المواقف والمسببات تتنافر!
"أمنية/مي عمر" تحاول أن تعيش الحب الحقيقي، وسط حكاوي "طارق/أحمد السعدني" الرقمية المزيفة، والتي تتوالى واحدة تلو الأخرى، وتعكر صفو حياتها البريئة التي تتمنى لو كانت تتمتع بها خارج نطاق صفحات السوشيال ميديا الملونة؛ حياة رتيبة بتكرار لحظاتها المتشابهة أمام لوحة هاتف المحمول، والتي تبث لحظاتهما المصنوعة من أجل المشاهدات.
هذه الكذبة المعاصرة تعادل تلك الصورة المزيفة التي يبحث عنها بعض الأحبة أمام المجتمع؛ عندما يقرران أن يحبان بعضهما أمام الأهل والأصدقاء والمارة في الشوارع، لكنهما يحتفظان بالحقيقة المرة في صناديق سوداء تختفي في غرفهم ومكالماتهم الهاتفية السرية مع عشيق الماضي، والتي نرى ومضة منها أيضاً في حكاية "محمد/محمد الشرنوبي" خطيب "أمل/أسماء جلال."
رومانسية معاصرة
الاتكاء على تأثر العلاقات الإنسانية بالتكنولوجيا وتباعدها كما المسافة ذاتها التي تخلقها وسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من تقليلها، بات واضحاً أيضاً من خلال علاقة "شادي/محمد سلام" المشوشة بـ "يسرا/هدى المفتي" وقيمة تدخل الاتصال من "الرقم المجهول/كريم فهمي" في حياتها.
ومع هذا الترابط الخفي بين الخطوط الدرامية، لا يصاب المُشاهد بملل رغم تعدد الشخصيات ومشاكلهم؛ كذلك عندما يتأثر الشخص المجهول بحكاية "يسرا" التي تريد أن تحب لكنها محاطة بقسوة شديدة من حبيبها، بل وتجعله يشعر، وهي المعضلة التي كان يتهرب منها طوال حياته متخفياً مع الأخرين؛ خلف هوية المكالمات الجنسية المجهولة.
تتصاعد الأحداث وتتقاسم مع الأبطال، وسط دقات الساعة والتي تصل لذروتها، بالتحديد تلك اللحظة التي يبدأ “المتصل المجهول/كريم فهمي" يسترجع بها قيمة الإحساس بالمشاعر مجدداً بدون تدخل حقيقي وغير المزيف في هذا الفعل؛ على عكس كليشيهات معاني الأفلام المعتادة، والتي نرى بها البطل يثور عندما يفقد الشعور بمشاعر محددة، كالحب والاشتياق تجاه الآخر.
نجده المتصل المجهول هنا يقرر تمرير الساعات كلها في دقيقة معينة، بمشهد سينمائي بديع، يقرر الانتحار بدون نقطة دماء واحدة، وتكون آخر مرة يمر عليه لحظة مماثلة لها!
اللحظة الأخيرة التي يستطيع أن يشعر أو يحب أو يتعاطف مع أحدهم، اللحظة التي فقد بها "اللا مبالاة" بالغير ونفسه، هذا التناقض الكبير الذي نصل له بهذه المرحلة في الثلث الأخير من فيلم "بضع ساعات في يوم ما"؛ هو نفسه التناقض الذي خُلق بين بداية رحلة كل بطل ومسارها، ونفسه الذي خلق دراما تعلق في أذهان وقلوب المشاهدين.
معضلة الكادرات في الأفلام الحوارية!
حالة المحاصرة بين مختلف الثنائيات رجلاً كان أو أنثى، وتناقضاتهم بين الذات والأخرين، اتسقت بين لغة الحوار السردي والبصري؛ والذي اعتمد على التصوير بمشاهد متكررة في السيارات بعدة شوارع ولحظات مختلفة بين مواقف الأبطال وبعضهم البعض.
كذلك قلة الأماكن المستخدمة في التصوير وفقاً للحبكة والقصة، والاعتماد بدرجة كبيرة على تدرج المعلومات ضمن سياق الحوار بين الأبطال؛ للتعريف بماضي الشخصية وحاضرها في ظل الصراع من أجل بقاء المستقبل بهما أو بدونهما.
التأسيس لهذه الحالة من الانحسار بين موقفي البطلين؛ كشف عنه صناع "بضع ساعات في يوم ما" مع اللحظات الأولى من الشريط السينمائي، مع المشاجرة خفيفة الظل التي تجمع بين "ياسين/هشام ماجد" أثناء محاولة "سارة/هنا الزاهد" لملاحقة والدها قبل وفاته.
هذه الرحلة التي تتغير بها مكنون كل شخصية؛ ليس فقط بسبب خوضهم تجربة رومانسية مع الأخر وفهمه، أو الاشتباك بجرأة مع طرق تربية الأهل لأولادهم وكيفية اتخاذ قرارتهم والتي تتجلى واضحةً في قصة ثنائية "خالد أنور ومايان السيد" في المستشفى، لكنه نتيجة لوقوف الذات دقائق أمام مواجهات لا مفر منها؛ إمَا بالتمسك أو النفور!
"بضع ساعات في يوم ما" يبعث رسالة خفيفة؛ توقظ مشاعر الحب والفقد والسكينة، في ظل تساؤلات الحياة اليومية التائهة بين تارك ومتروك؛ تلك التي يغنيها المطرب ماجد المهندس في شارة الأغنية الدعائية للفيلم، من كلمات الشاعر صابر كمال وهو يقول: "تخبي نفسك فين.. كل السكك بتودي هناك"!
Commentaires