فيلم Fountain of Youth .. عمل صنع لتراه مرة واحدة لا أكثر
- ساندي ليلا
- قبل 5 أيام
- 4 دقائق قراءة

كتبت ساندي ليلا:
عندما قدم ستيفن سبيلبرغ "إنديانا جونز" إلى عالم السينما قلبها رأساً على عقب.
كان جونز جذاباً، وسيماً، قوياً، قادراً على مواجهة مغامرات مميتة تجعل الخيال أقرب إلى الحقيقة، الأمر الذي جعله علامة فارقة في تاريخ السينما.
بعد جونز، حاول كثيرون استغلال وصفة نجاحه، فأصبح كل عالم آثار مشروع مغامر يبحث بلا كلل عن سر مدفون في مكان ما.
رغم أن هذه الحبكة تنجح أغلب الوقت، إلا أنها أحياناً ما تفشل فشلاً ذريعاً، وفيلم "Fountain of Youth " خير دليل على كلامنا.
رحلة للبحث عن الشباب، ألم تنتهِ هذه الحبكة بعد؟
تبدأ أحداث الفيلم عندما يسرق عالم الآثار "لوك بيردو"، الذي سقط في فضيحة، لوحةً من مجموعة مجرمين في تايلاند. ومن ثم تنتقل الأحداث إلى لندن، حيث يفاجئ لوك شقيقته البعيدة عنه "شارلوت"، أمينة المتحف، ويسرق لوحةً أخرى تحت عينيها، ثم يغريها بالهرب معه ومع شريكيه "مورفي" و"ديب"، كاشفاً أنه يواصل إرث والدهما الراحل في البحث عن الكنوز.
بعد استجوابها من قِبل مفتش الإنتربول، تُطرد شارلوت من عملها وتواجه لوك في مخبئه، حيث تتعرف على "أوين كارفر"، مغامر ثري مصاب بسرطان في مراحله النهائية، وهو الذي يُموّل لوك وفريقه في بحثهم عن "ينبوع الشباب" الأسطوري.
تكشف مذكرات والدهم أن جمعية سرية تُعرف باسم "حماة المسار" قد أخفت النافورة لقرون، لكن فصيلاً عارض مهمة المسار أخفى أدلة في ست لوحات تاريخية سرقها لوك، بما في ذلك لوحة "رأس المسيح" لرامبرانت من المتحف.
تعترف شارلوت بأن لوحة "رأس المسيح" نسخة طبق الأصل، وتنضم على مضض إلى مهمة شقيقها.
من الناحية السردية، يعتمد الفيلم على سرد خطي واضح دون أي مخاطرة تذكر، كل شيء يسير وفق توقعاتنا كمشاهدين:
بداية مشوقة تلفت الانتباه، بعض التمهيد الدرامي الضروري لاستعراض علاقة الشقيقين، بعد ذلك، ودون مزيد من الانتظار، تنطلق المغامرة الممتعة للبحث عن "نافورة الشباب".
افتقد السرد لعامل المفاجأة بشكل فاضح؛ حتى الفلاش باك الذي استخدم أثناء الأحداث جاء كأداة تفسير لا أكثر، كشيء عابر لا يمتلك أي تأثير حقيقي على الشخصيات.
كان بإمكان الفيلم أن يتعمق في الصراع الداخلي لهؤلاء الباحثين عن الخلود، وأن يخاطر ويقتحم الفلسفة الوجودية التي يوحي بها الموضوع، لكنه اختار البقاء في منطقة السرد الواضح والمضمون والحبكة المتوقعة التي يستحيل أن تثير في المشاهد أي شعور بالصدمة.
أما الحوارات، فقد كانت مباشرة أكثر من اللازم، سفيهة بعض الشيء، تشرح بدل أن توحي، كما أنها لم تستطع منح الشخصيات فرصة التعبير عن أفكارها ودواخلها، وهو الغرض الرئيسي من الحوار أصلاً.

هوية بصرية فارغة من الروح
كانت الهوية البصرية واحدة من أبرز عناصر الفيلم، خاصة جماليات المواقع المختارة: الغابات الغامضة، الكهوف القديمة، والمعابد المهجورة، وكلها مواقع جذابة بصرياً ممتعة للعين.
لكنها بدت أشبه بإعلانات لوكالات الترحال والسفر أكثر مما أنها جزء من الفيلم والأحداث.
الصورة جميلة، نعم، لكنها فارغة، باردة، لا تُضيف معنى، وليست جزءاً من القصة بأي شكل.
كل تلك الألوان الزاهية والتركيز الدقيق على الإضاءة الطبيعية جعلا من الفيلم لوحة مريحة بصرياً، لكنها، ورغم كل هذه الجمالية، لم تنجح حقاً في أن تعكس توتر الرحلة أو الصراع النفسي للشخصيات.
حتى مشاهد المواجهة أو الحزن أو الفقد بدت مأخوذة بروح خالية، مما أبعد الفيلم عن الجدية الوجودية التي يعد بها اسمه، ويمكن القول إن الهوية البصرية وظّفت الجمال الطبيعي، لكنها فشلت في توليد هوية مميزة أو أسلوب بصري خاص بالفيلم.
اجتهاد تمثيلي وسط نص فقير
قدّم جون كراسينسكي أداء لطيفاً في دور "لوك"، إذ بدا ساحراً، محبباً، ومتهوراً في الوقت نفسه، لكن النص الركيك لم يمنحه الأدوات الكافية لبناء شخصية معقدة وعميقة، وبدا أحياناً مقيداً بسطحية الحوارات وبرودة الأحداث، حتى أن شخصيته بدت كرتونية أكثر منها واقعية، من شدة هزليتها.
أما ناتالي بورتمان فقد قدمت أداءً مقبولًا بدور "شارلوت"، وكان هناك شيء من الحساسية في أدائها، لكنها غالباً بقيت على هامش الحدث.
لم تنل شخصيتها مساحة كافية، وبدت كأنها موجودة فقط كي يكون هناك من يتشاجر مع "لوك"، العلاقة التي افتقدت إلى التوتر العائلي الذي كان ليضيف طبقة درامية ضرورية للأحداث.
لقد امتلك الفيلم طاقم تمثيل جيد بحق، لكن غاي ريتشي، المصر على تقديم التسلية لا العمق، فشل وبشكل ذريع في تسخير قدراتهم التمثيلية لرفع مستوى الفيلم، الذي عانى للغاية من سوء الكتابة والاستسهال الدرامي.
إنديانا جونز... الإرث الذي لا يُمسّ
سيكون من الصعب للغاية ألا تُقارَن Fountain of Youth بسلسلة Indiana Jones الأسطورية، إذ أن الفيلم يسير على نفس النسق:
مغامر وسيم، بارع في القتال، خرائط قديمة تكشف مجموعة لا تنتهي من الألغاز الأسطورية، وحضارات منقرضة تفعمها الأسرار.
لكن وبينما تتجاوز سلسلة إنديانا جونز حدود الترفيه لتصنع شخصية أيقونية وعلامة فارقة في عالم التشويق، يبقى فيلم Fountain of Youth مجرد نسخة باهتة ممسوخة.
لقد كان إنديانا جونز شخصية معقدة، متعددة الطبقات، يحمل ماضياً مؤلماً وعلاقات عاطفية مضطربة، ويجمع بين العلم والعنف والفكاهة، أما "لوك" في Fountain of Youth، ورغم جهده، يبقى بطلاً مسطحًا، أحادي البعد، بلا أي عمق مفهوم أو رمزية من أي نوع.
حتى على مستوى الإخراج، منح ستيفن سبيلبرغ أفلامه طابعاً سينمائياً فريداً لا يُنسى، مليئاً بالإثارة المصنوعة بحرفية، حتى أنها تحولت إلى أيقونة ثقافية لا تُنافس، بينما يبدو فيلم 2025 كمنتج منسق بصرياً، لكنه بلا روح.
في عالم إنديانا جونز، لم تكن الحضارات القديمة مجرد خلفية مبهرة للقصة، بل كانت جزءاً من الفكرة المركزية عن الصراع بين الإنسان والزمن، بين المعرفة والسلطة، بين الطمع والشغف.
أما في Fountain of Youth، فالعنصر الأسطوري يخلو تماماً من أي عمق فكري، كأنه لعبة فيديو سخيفة، لا فيلم كامل متكامل.
لقد كان نافورة الشباب فيلماً جميل الشكل، ممتعاً في بعض لحظاته، لكنه لا يملك روح المغامرة الحقيقية، ولا شجاعة الغوص في الأعماق.
أسلوبه السردي آمن، هويته البصرية زاهية لكن فارغة، وأداء ممثليه محترف لكن محدود الإمكانيات بفعل النص والإخراج، فهو فيلم صُنع كي يكون مسلياً لا أكثر، عمل تشاهده بينما تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي على هاتفك.
فيلم لا يملك أي رغبة في أن يُخلَّد، ولو لساعات معدودة، فإن كنت ترغب في تسلية سريعة فارغة من المضمون؟ "Fountain of Youth" خير من يلبي رغبتك هذه.
Comments