طاقم جيد ومخرج أسطوري لا يكفي لصنع فيلم جيد و Flight Risk هو البرهان
- ساندي ليلا
- 4 أبريل
- 4 دقائق قراءة

كتبت ساندي ليلا:
يقول علماء النفس أن البشر يتوافدون بكثافة لمشاهدة أفلام الرعب رغبة منهم في التطهر من مخاوفهم، أعتقد أن الأمر نفسه هو ما يجعل لأفلام الاكشن شعبية كاسحة إذ أنها تمنحك مشاعر التشويق التوتر القلق الإثارة بينما أنت جالس بأمان في منزلك.
لا يوجد نوع واحد لأفلام الإثارة والتشويق طبعاً، فالفن كالحياة متعدد، متنوع، متشعب، لكن هناك شروطاً صارمة ينبغي على هذه النوعية من الأفلام استيفاؤها كي تكون أفلاما ناجحة، حبكة متينة، توازن دقيق بين التوتر والتشويق، مخرج متمكن تماماً من أدواته الإخراجية وطاقم عمل استثنائي يتوجه بطل جذاب قادر على جذب الانتباه لنفسه، بطل من عينة أرنولد شوارزينجر، وسيلفستر ستالون، وليام نيسون، وغيرهم ممن أصبحوا أساطير في عالم الأكشن.
لكن شعبية أفلام الإثارة والتشويق لم تعد مستقرة في عالم متغير باستمرار، فالذوق السينمائي أصبح أكثر انتقائية، وجمهور السينما يمتلك الآن حساسية فنية لا يمكن تجاهلها، حساسية تجعله قادراً على استكشاف مواطن الضعف في أي فيلم يعتمد على الإثارة لأجل الإثارة، وهو الخطأ الذي وقع فيه فيلم Flight Risk بشكل جعله واحداً من أسوأ أفلام العام لأسباب نستعرضها في هذه المراجعة.
تدور أحداث الفيلم حول مادلين هاريس ضابط الشرطة التي تلقي القبض على محاسب يدعى وينستون أثناء اختبائه في منطقة نائية في ألاسكا، وينستون ليس مجرد محاسب عادي ممل، إنما هو شاهد أساسي ضد أصحاب عمله السابق عائلة مورايتي الإجرامية، تستأجر هاريس طائرة خاصة صغيرة لنقلهم إلى أنكوراج بغية الانتقال بعدها إلى نيويورك لتقديم وينستون إلى المحكمة، هناك تتعرف على قائد الطائرة اللطيف الظريف داريل بوث القادم من تكساس، تبدو الأمور حتى هذه اللحظة رائعة مثالية لكن الوضع ينقلب إلى نوع من الكوابيس عندما تكتشف هاريس أن داريل اللطيف فائق الود هو قاتل مأجور أرسلته عائلة مورايتي لقتل شاهدها الثمين، فيتعين عليها القتال لأجل حياتها وحياتهم، ومحاولة تعلم قيادة طائرة صغيرة خلال خمس دقائق لا أكثر وهنا تبدأ لعبة النجاة في فضاء مغلق، حيث تحاول هاريس إنقاذ حياتها وحماية الشاهد.
حبكة الفيلم متوقعة بكل ما للكلمة من معنى لقد شاهدناها مراراً في مئات الأفلام الأخرى، العميل الذكي متعدد المهارات والشرير متحجر القلب الذي لا يكترث لأي شيء سوى نفسه.
قصة مملة لا تجديد فيها، سوى أن البطل هنا ليس رجلاً مفتول العضلات، إنما امرأة ذكية حازمة قادرة على قيادة طائرة صغيرة ببراعة من أول محاولة، لقد كان الفيلم خالياً من أي سحر فريد قادر على جذب الانتباه إليه.
اعتمد الفيلم على أسلوب السرد المحدود، إذ أن أغلب الأحداث دارت داخل الطائرة، مما وضع قيوداً سردية كان بالإمكان تفاديها بحبكة أفضل تقديماً وأعمق حوارياً، يستخدم الفيلم التوتر التدريجي والحوارات الطويلة بين هاريس وداريل لخلق الإثارة والتشويق، وبعث التوتر داخلنا عوضاً عن المشاهد القتالية المثيرة التي عادة ما نراها في هذه النوعية من الأفلام
لكن هذه الحوارات كانت أكثر من اللازم، حتى أنه وفي أغلب أحداث الفيلم يبدو أن مادلين وداريل لا يفعلان شيئاً سوى إغاظة بعضهما كالأطفال، أما السقطة الحقيقية فقد كانت في حقيقة أن الفيلم كشف أهم أوراقه مبكراً للغاية حقيقة داريل بوث، إذ أنه وبدلاً من اللعب على غموض شخصيته والتعمق في تفاصيل تصرفاته وزرع بذور الشك رويداً رويداً، تم الكشف عن هويته بسرعة غريبة بعد مدة قصيرة للغاية أفقدت اللحظة سحرها اللازم في سقطة إخراجية يصعب توقعها من مخرج بحجم ميل غيبسون، سقطة أفقدت الفيلم حسنته الوحيدة.
لطالما أذهلنا غيبسون كمخرج، إنه الرجل الذي قدم لنا الملحمة الاسكتلندية قلب شجاع، التي لم يخفت بريقها لحظة واحدة لكن في Flight Risk كان تعثره الإخراجي واضحاً للأسف.
فبدلاً من استغلال المساحة المغلقة بذكاء، بدت المشاهد راكدة ورتيبة، كما أن التصوير لم يستفد من زوايا الكاميرا أو الإضاءة لخلق التوتر المطلوب.
لقد أراد المخرج الأسطوري خلق تجربة مشحونة بالتوتر والإثارة في بيئة مغلقة، هي الطائرة، ورغم محاولته استغلال هذه المساحة المحدودة إلا أنه وقع في فخ التكرار مما جعل الفيلم راكداً بصرياً خالياً من أي هوية بصرية حقيقية، مفعماً بمشاهد مصنوعة بواسطة الـ CGI منخفض التكلفة.
حتى مشاهد الحركة النادرة جاءت مخيبة للآمال، وأبرز مثال على ذلك المشهد الذي تحاول فيه هاريس إبعاد داريل عن دفة القيادة، لقد بدت المواجهة مفتعلة وضعيفة التنفيذ خصوصاً أنه من المفترض أن يكون داريل قاتلًا محترفًا، لكنه افتقر إلى الرشاقة أو الحضور القوي، فيما لم يكن تذبذب المشاهد متماسكاً كما ينبغي خاصة في مشاهد الحوارات الطويلة بين الشخصيات.
لقد توقعنا رؤية أكثر ديناميكية، وأكثر جرأة من مخرج دائماً ما أثار سخط هوليوود بجرأته وتمرده، لكنه في Flight Risk انتهج ميل منحى أكثر تحفظاً، ولربما أقل تكلفة أيضاً، مما جعل فيلمه وفي أكثر من مرحلة مملاً للأسف.
رغم وجود طاقم تمثيل جيد، إلا أن الفيلم امتلك شخصيات أحادية البعد، مسطحة العمق، جسدت ميشيل دوكري دور العميلة مادلين هاريس التي تجد في تسليم وينستون للعدالة فرصة ذهبية لتعويض ماض سوداوي، شخصية جيدة بذلت دوكري جهداً جباراً لتقديمها كما ينبغي، لكن ضحالة كتابة الشخصية لم تساعدها بأي حال، كل ما علمناه عن هاريس لم يكن له أي تأثير واضح، كما أنه لم يكن عاملاً مساعداً في فهمنا لها أو قدرتنا على التعاطف والتفاعل مع شخصيتها.
على عكس دوكري يبدو أن مارك والبيرغ لم يأخد الفيلم على محمل الجد بأي شكل كان، يبدو مظهره في الفيلم غريباً للغاية برأس أصلع مزيف بوضوح، وأداء مفتعل لدرجة السخافة، كان والبيرغ بطل الفيلم وعامل الجذب الرئيسي فيه أقل بكثير مما قد تتوقع من نجم بحجمه، لا يبذل والبيرغ أي جهد من أي نوع لمنح شخصية داريل العمق المتوقع فبدا أشبه بأشرار جيمس بوند، شرير لأنه شرير، رغم كونه ممثلاً جيداً للغاية إلا أن السيناريو الممل والإخراج المحبط أثرا بالقطع فيه، وجعلاه غير قادر على تقديم أداء تمثيلي مناسب لموهبته.
يدفعنا فيلم Flight Risk لطرح سؤال مهم، هل انتهى عصر أفلام الأكشن؟
ربما لا، لكن المؤكد أن النجاح في هذا المجال لم يعد سهلًا كما كان، فحتى مع توفر العناصر الأساسية للنجاح، طاقم تمثيلي جيد ومخرج مخضرم، فإن سوء التنفيذ سوف يجعل الفيلم مجرد تجربة مملة، تُشاهد مرة واحدة ثم تُنسى إلى الأبد.
Comments