فيلم باتان: تحطيم الأرقام القياسية بتوابل تقليدية
جمال الدين بوزيان_خاص للمتحف السينمائي
منذ بداية عرضه في 25 يناير 2023 الماضي، حقق فيلم شاروخان الجديد "باتان" نجاحاً كبيراً، لم تشهده السينما الهندية وبوليوود خاصةً، منذ فترة طويلة جداً.
لا نستطيع القول أنه نجاح غير مسبوق، لكنه نجاحٌ جاء بعد فترة ركود كبيرة وأزمة طويلة نسبياً مرت بها أفلام بوليوود، سواء المعروضة في صالات السينما، أو على منصات العرض الإلكتروني، مع أن المعروضة إلكترونياً هي الأكثر خسارة وفشلاً مادياً، بسبب سهولة قرصنتها، رغم تميزها أحياناً.
حطم هذا الفيلم الأرقام القياسية في شباك التذاكر، من خلال ما تم تحصيله خلال أيامه الأولى فقط من بداية عرضه، ونجاحه المادي مستمرٌ، حيث نشر من قبل موقع المتحف السينمائي، خبر فتح صالات عرض سينمائي بالهند، كانت مغلقة منذ فترة جائحة كورونا، التي زادت من تأزم وضع سينما مومباي، كما استحوذ فيلم باتان وحده على حوالي 5000 صالة عرض سينمائي، مما أثر سلبيا على بقية الأفلام المعروضة في نفس هذه الفترة، مثل فيلم غاندي غودسي، وهو ما تم نشره سابقاً أيضاً بموقع المتحف السينمائي، كما تم تأجيل عرض بعض الأفلام الهندية، في بوليوود، وحتى في الجنوب الهندي، بسبب هذا الاكتساح الكبير لفيلم باتان في كل الهند، ومن يلاحظ أخبار صدور الأفلام الجديدة في شهر يناير وبداية فبراير، سوف يلاحظ أن العدد شحيح جداً، مقارنةً بما تم صدوره الأشهر الماضية.
المتابع للفيلم، قد يحسبه في أوله، فيلماً يعيد الصورة النمطية لدولة باكستان في السينما الهندية، وصورة الإسلام أيضاً، والفيلم فعلا يعيد الصراع الهندي الباكستاني وقضية كشمير إلى واجهة السينما الهندية، لكنه لا يشيطن دولة باكستان، توجد بالفيلم شخصيات خائنة من كلتا الدولتين، وهو لا يسيئ للدين الإسلامي، حيث أن اسم البطل باتان هو إسم إسلامي أفغاني، والباتان أنفسهم يشكلون نسبة كبيرة من شعب أفغانستان، والعائلة التي تكفلت بالبطل في الفيلم هي عائلة أفغانية مسلمة، وهو شاب يتيم، ينتمي للهند، ويقدس كل ما فيها، على اختلاف طوائفها، وكأن شخصية البطل هي انعكاس حقيقي لعلمانية الممثل شاروخان، المعروف عنه أنه مسلم المولد والديانة، ومتسامحٌ ومتصالحٌ مع كل فئات وطوائف الهند، تصالح على الطريقة المخملية الهندية، ربما هي رؤية ووجهة نظر، قد لا نتقبلها أو نفهمها كثيراً في العالم العربي.
باتان، هو فيلم جوسسة هندي، تقليدي في مجمله، مع استخدام تقنيات تكنولوجية جديدة، وهي نفسها التكنولوجيا التي استخدمت لدعم التوابل البوليوودية وتعزيز ثوابتها، مثل تقديس الأرض والوطن والعائلة، الرومانسية الطاغية، والاستعراض، الغناء، والأكشن الكثير جداً والمستمر، وهي عناصرٌ لا يزال يعشقها المشاهد الهندي خاصةً_ ولا يزال وفياً لها_ إذا كانت صادرة عن فيلم بطله شاروخان مثلاً أو أحد كبار النجوم الآخرين.
هناك ظهورٌ شرفيٌ للنجم سلمان خان، بشخصيته المعروفة تايغــر، كما تم الحديث في آخر الفيلم عن شخصية "كبير"، التي مثلها النجم هيريتك روشان في فيلم الجوسسة والأكشن WAR، مما يوحي لنا أننا مقبلون على سلسلة أفلام هندية أخرى، ربما قد تجمع بين هؤلاء النجوم الثلاثة، في فيلم جوسسسة واحد، مثل سلسلة أفلام سينغام، أو مثلما تفعل هوليوود مع شخصيات أفلام الأبطال الخارقين.
شاركت في بطولة الفيلم، النجمة ديبيكا باديكون، التي أجادت كثيراً دورها، وهو شبيه كثيراً بدورها في الفيلم الأمريكي XXX The Returns، ولكنها في باتان كانت أكثر تحرراً، وكان لباسها يحوي من العري الشيء الكثير، خاصة في استعراض أغنية اللون القذر، والتي اعترضت عليها جماعات هندوسية، خاصة في ولاية الغوجرات، بحجة إساءة الأغنية في عنوانها واستعراضها وأزيائها، للديانة الهندوسية، والمتابع للفيلم، فعلا يتساءل، ما الغرض من تلك الأغنية، بتلك الطريقة خاصة، لماذا ذلك العنوان؟ ولماذا لون الزعفران بالضبط؟ كان يمكن إنجاز أغنية راقصة بها إغراء وإثارة وتشرح طريقة لقاء البطل بحبيبته، دون اتخاذ ذلك العنوان، ودون اللجوء للباس البحر العاري والملون بلون الزعفران، المقدس لدى الهندوس.
بالمقابل، كانت الأغنية الثانية بالفيلم، والتي تم عرضها كجينيريك للنهاية، أكثر حيويةً، وأبعد عن الجدل، رغم أنها لم تخلو من العري الكثير في لباس البطلة، والمتابع لمشوار ديبيكا باديكون، أكيد سوف يجد لباسها في الفيلم صادماً جداً، حيث أنها لم تظهر في أي من أفلامها بمؤخرة نصف عارية.
شاروخان وجون أبراهام أيضاً، ظهرا في مشهدين منفصلين، بجسد نصف عار، وبلباس يكاد يبدي أسفل جسميهما، في مشهدين، يجعلاننا نتذكر المشهد المثير للجدل الذي ظهر فيه جون أبراهام سابقاً في فيلم دوستانا.
ويبدو أن الممثل جون أبراهام، انحصر منذ مدة في أدوار الشرير، حدث له ما حدث مع كثير من زملائه، عبر تاريخ السينما الهندية الطويل، حيث يتحول بعض الممثلون عند التقدم قليلاً في السن، ومع ملامحهم القاسية والجادة، لأدوار الشر، مع البقاء في البطولة، وهو ليس اختياراً، بقدر ما هو حصر من طرف صناع السينما لبعض الممثلين في مثل تلك الأدوار، مثل سانجاي دوت، الذي بدأ مشواره السينمائي كبطل طيب في الأفلام الرومانسية وأفلام الأكشن، لكن حالياً لا يتم أبداً إسناد تلك الأدوار له، وهو دائماً الشرير في أي دور يمثله.
منتج الفيلم، أديتيا شوبرا، المسؤول عن شركة ياش راج، التي كان يملكها والده الراحل ياش شوبرا، هو سينمائي معروف، وقليلاً ما تخفق أفلامه، أو لا تلفت لها الأنظار، أما مخرج الفيلم، سيدهارت أناند، فقد حدث له ما حدث مع المخرج الجنوبي ماني راتنام، مخرج الفيلم الملحمي التاميلي Ponniyin Selvan، حيث لم يكن المشاهد ينتبه لهما كثيراً أو يعرفهما، رغم أعمالهما الناجحة، إلا مؤخراً، مع فيلم باتان و بونين سيلفان.
ومثلما فتح فيلم ديفداس للمخرج سانجاي ليلا بهنسالي سنة 2002، باب العالمية لبوليوود، يبدو أن فيلم باتان في بداية 2023، احدث انتعاشاً ملحوظاً جداً لدرجة الضجيج، قد يجعل السينما الهندية ككل تدخل مرحلة جديدة بعد فترة ركود، أو ربما قد يكون انتعاشاً مؤقتاً فقط، لا يمكن تعميمه.
Comments