top of page
  • Facebook
  • YouTube
  • Twitter
  • Instagram
  • LinkedIn
Crystal Salt

التحليل النفسي والرمزي لأسطورة ميدوسا الإغريقية بين الرعب والسلطة

ميدوسا

كتب الممثل والمخرج السوري سعد لوستان

"لا أحد ينجو من ميدوسا، حتى من اعتقد أنه لا يراها"

في المسلسل المنتظر (ديليجيوس.. رماد أنطاكيا) بالشراكة الفنية، والإدارة الإنتاجية مع المتحف السينمائي السوري، تتجسد ضمن السيناريو شخصية سهى كأيقونة ناعمة للتسلط والاستبداد، امرأة لا تصرخ، لا تهدد، بل تقف بابتسامة هادئة بينما يتساقط الرجال من حولها الواحد تلو الآخر متحوّلين إلى رماد.

هذه ليست مجرد شخصية روائية بل شخصية امرأة حقيقية كانت فاعلة في الملف السوري بفترة الحرب والانتفاضة السورية، وهي درامياً امتداد معاصر لأسطورة يونانية قديمة: ميدوسا

ذلك الكائن الإغريقي الذي أرعب الأبطال ونكّل بالمخيّلة الذكورية لقرون، يعود إلينا الآن في ثوب إداري، حقوقي، مؤسساتي، استخباراتي، فرانكوفوني، لكنه لا يقل فتكاً

هذا المقال لا يروي حكاية المسلسل، وإنما يفتح نافذة لفهم الرمز الأصلي من خلال مدارس التحليل النفسية والنقدية، ويستدعي ميدوسا من ظلال الميثولوجيا، لنكشف وجوهها الجديدة كما تحضر في النفس، في السلطة، وفي الثقافة والسينما. من فرويد ويونغ، إلى فاطمة المرنيسي وفراس السواح. بين الرمزية الجنسية والمواجهة النفسية، بين الهلاك والخصوبة، تقف ميدوسا لا كعدو، بل كمرآة.


التحليل النفسي والرمزي لأسطورة ميدوسا بين الرعب والسلطة

تشكل أسطورة ميدوسا إحدى أبرز رموز الميثولوجيا الإغريقية، وقد أثارت على مر العصور اهتماماً واسعاً في ميادين متعددة مثل التحليل النفسي والنقد الثقافي والدراسات النسوية. تحولت من مجرد كائن خرافي إلى رمز للأنوثة الغاضبة ومرآة تعكس هواجس الذكورة والخوف من الآخر المختلف.

ميدوسا في الأسطورة الأصلية

كانت ميدوسا إحدى ثلاث شقيقات من الغورغونات، لكنها الوحيدة الفانية بينهن. في بعض الروايات، كانت فتاة جميلة قبل أن تُغتصب من قبل بوسيدون داخل معبد أثينا. وبدلاً من معاقبة المعتدي، قامت أثينا بتحويل ميدوسا إلى كائن مرعب، برأس مغطى بالأفاعي ونظرة تحوّل من يقابلها إلى حجر. لاحقاً، ينجح البطل بيرسيوس بقطع رأسها مستعيناً بمرآة ودرع وسيف، ليقدمه بعد ذلك إلى أثينا التي ثبتته على درعها.

ميدوسا من منظور فرويد - رعب الخصاء والتجمّد النفسي

يرى فرويد، كما بيّن جورج طرابيشي في ترجمته لمقال "رأس ميدوسا" أن هذا الكائن المخيف هو تجسيد رمزي لرعب الطفل الذكر من اكتشاف غياب القضيب عند الأنثى، أي صدمة الخصاء. الأفاعي التي تملأ رأسها هي تعويض لا واعي عن هذا النقص، والتحول إلى حجر يُقرأ كاستجابة انفعالية شبيهة بالجمود أو الانتصاب كآلية دفاع نفسي.

ميدوسا في فكر يونغ ـ ظل الذات ومواجهة النفس

في تحليل كارل يونغ، كما ورد في ترجمة لطيف فهد لكتاب "الإنسان ورموزه"، فإن ميدوسا تمثل صورة مكثفة لما يُعرف بـ"الظل"، أي الجزء المظلم من النفس الذي نخاف الاعتراف به. النظر إليها عبر مرآة يرمز إلى المواجهة غير المباشرة مع هذا الجانب المكبوت من الذات، لا بهدف الهزيمة بل الاندماج.

البعد الأنثوي في شخصية ميدوسا، بين الرحم والتهديد يقدم إريك نيومان في كتابه "الأنوثة، رموزها وتجلياتها" كما ترجمه نهاد خياطة، رؤية لميدوسا باعتبارها وجها من وجوه "الأنوثة العظمى" تلك التي تجمع بين الخصب والهلاك، بين الاحتواء والخطر. فهي ليست شريرة بطبيعتها بل مرعبة حين تقمع

وهنا تتقاطع أطروحات فاطمة المرنيسي التي ترى في كتابها "الحريم السياسي" أن الجسد الأنثوي يُراقب ويُعاقب عندما يتجاوز حدوده الاجتماعية. ومن هذا المنظور، فإن ميدوسا لم تكن وحشاً بل أنثى خرجت عن الخط المرسوم لها، فحوّلتها الثقافة إلى رمز للتهديد الذي ينبغي إسكاتها.

ميدوسا في الأدب والثقافة العربية الحديثة

تشير مقالات نقدية نشرت في مجلة "فصول" إلى كيفية استدعاء ميدوسا في الشعر العربي الحديث، خاصة عند الشاعرات، كرمز للمرأة المهمشة أو الغاضبة. تحولت من صورة للترويع إلى استعارة للقوة والرفض. وهي بذلك أصبحت وسيلة احتجاج فني ضد التشييء والقمع.

القيمة الرمزية العامة للأسطورة

يرى فراس السواح في كتابه "مغامرة العقل الأولى"، أن الأسطورة كانت أول أدوات الإنسان لفهم العالم، لا من خلال منطق عقلي بل عبر رموز. في ضوء هذا، تصبح ميدوسا صورة عنف داخلي أكثر من كونها خطراً خارجياً، تعبيراً عن قلق بدائي من الأنوثة الغامضة والطبيعة غير المسيطر عليها

ميدوسا، كرمز متعدد الطبقات، تتجاوز كونها مخلوقاً أسطورياً فهي تمثل الخوف من الآخر، والإنكار الاجتماعي للجسد، والسلطة الرمزية للجنس، والتمرد الأنثوي في وجه القمع. بين فرويد ويونغ والمرنيسي والسواح، تتبلور قراءة تكشف أنها لم تُقتل فقط، بل جرى أيضاً إقصاؤها من رمزية متوازنة، ليُعاد اليوم إحياؤها كأيقونة للتحرر والتحدي

البيبلوغرافيا

  • سيغموند فرويد _ رأس ميدوسا ضمن مقالات تحليلية /ترجمة جورج طرابيشي . دار الطليعة. 1990

  • كارل يونغ _ الإنسان ورموزه/ ترجمة لطيف فهد. دار دمشق. 1992

  • إريك نيومان _ الأنوثة رموزها وتجلياتها/ترجمة نهاد خياطة. دار الحوار. 2004

  • فراس السواح_ مغامرة العقل الأولى/سوريا. دار علاء الدين. 2000

  • فاطمة المرنيسي _ الحريم السياسي النبي والنساء / المركز الثقافي العربي. 1991

  • مجلة فصول_ أبحاث نقدية متنوعة حول الرمز في الأدب العربي /الهيئة المصرية العامة للكتاب. جمهورية مصر العربية

تعليقات


alt-logolar-02-1.png

© 2025 by filmmuseum

bottom of page