top of page
  • Facebook
  • YouTube
  • Twitter
  • Instagram
  • LinkedIn
Crystal Salt

كيليان ميرفي يعيد جحيم ماضي أيرلندا إلى الحياة

صورة الكاتب: ساندي ليلاساندي ليلا

كيليان ميرفي

كتبت ساندي ليلا:

يقولون أن تسلق سلم النجاح إلى القمة سهل للغاية قياساً بقدرتك على الحفاظ على موضعك هناك.

عام 2023 كان كيليان ميرفي حديث عالم الفن السابع بعدما أبهرنا بأداء يدرّس مجسداً الحياة الحافلة الملحمية لروبرت أوبنهايمر، الرجل الذي قدم للعالم أسوأ هدية ممكنة القنبلة النووية، عقب هذا النجاح المدوي توجهت الأنظار نحو الممثل الذي تأخر تكريمه انتظاراً لجديده، لذا فقد نال فيلم Small Things like These " أشياء صغيرة كهذه " اهتماماً إعلامياً ونقدياً يفوق أي عمل آخر.

تدور أحداث الفيلم في إيرلندا الكئيبة الباردة في ثمانينات القرن الماضي في عام 1985 حيث نتعرف على تاجر الفحم بيل فورلونج، الزوج المحب والأب لخمس فتيات صغيرات.

الفقر يرتسم بوضوح كامل على بيل ملابسه الرثة وملامحه الكئيبة الجامدة تشي بضيق حال لن ينتهي في أي وقت قريب، إنه كئيب خجول لا ينظر في عيني أي شخص إذ أن هناك سراً يقبع في ماضيه، لقد ولد بيل خارج إطار الزواج في العار لكنه الآن يمتلك منزلاً وعملاً وأسرة محبة، حياته ليست مثالية لكنها بالقطع أفضل مما كانت عليه. 

ثم في صباح أحد الأيام تنقلب حياة بيل المملة رأساً على عقب عندما يكتشف وجود امرأة شابة داخل مغسلة الكنيسة المحلية، فتعود إليه ذكرياته التي دفنها في أعماقه كي تطفو من العدم، هذه الفتاة المسكينة ذكرته بأمه.

أمه الفقيرة البائسة غير المتزوجة، ويدرك حقيقة أن الماضي لم يرحل يوماً إنما كان دائماً هناك متوارياً بخبث، وأنه الآن أمام مفترق طرق أخلاقي إما أن يحني رأسه للعاصفة، أو أن يحاول محاربة مؤامرة الصمت الجماعية والنظام الديني الاستبدادي الذي عانت منه إيرلندا طويلاً والذي يتمثل هنا في الأخت ماري المسؤولة عن إعادة تأهيل الفتيات المذنبات.

اقتبست أحداث الفيلم من قصة قصيرة بالاسم نفسه للكاتبة الايرلندية كلير كيغان، والتي استوحت أحداث قصتها من قضية الملاجئ المجدلية التي أغلق آخرها منذ ثلاثين عاماً فقط، كانت هذه الملاجئ أشبه بمنازل للأمهات غير المتزوجات اللواتي أجبرن على العمل في أجواء تفيض بالبؤس والعار يتعذبن ويتعرضن للإذلال مدى الحياة.

فيما أُخذ الأطفال بغرض بيعهم للتبني، كانت هذه الملاجئ وصمة عار في تاريخ أوروبا ومادة مثيرة لعدد من الأفلام كفيلم The Magdalene Sisters لبيتر مولان و Philomena لستيفن فريزر لكن أشياء صغيرة كهذه لم يرتق بأي حال لمستوى هذين العملين الأيقونيين. 

لا يعتمد الفيلم في معالجته لقصته على الحوار بأي حال من الأحوال، إنما يركز على شخصية بيل ويحكي القصة من خلاله، تتبع الكاميرا بيل باستمرار من الخلف تلاحقه في كل مكان، فيما تبقى ملامحه المرهقة بعيدة عن الكاميرا، الأمر الذي خلق ارتباطاً طفيفاً مع بيل، ارتباط يزداد قوة ووضوحاً عندما تلتقط الكاميرا ملامح وجهه الكئيبة التعسة لتجعلنا ندرك مدى تأثير الحياة والناس بخيرهم وشرهم عليه.

 وهنا يمكن القول أن اختيار المخرج تيم ميلانتس لكيليان ميرفي كان خياراً جيداً، ميرفي ذو العينين الزرقاوتين الواسعتين والملامح المرنة بشكل مذهل كان مميزاً في أدائه لدور بيل، عيناه نافذتان واضحتان لروح بيل المعذبة، تحكيان الكثير مما لا تقوله شفتاه، حركات جسده تنطق بماض قاس، إنه خائف قلق على مستقبل فتياته، يغمره فيض من المشاعر الأليمة عندما يرى طفلاً صغيراً يجمع العيدان الصغيرة بحجة أنها لقطته لكن بيل يعرف أنها لأجل اتقاء برد شتاء إيرلندا القارص، صبي صغير آخر حافي القدمين يشرب من وعاء حليب صغير متروك للقطط، ندرك الحقيقة لحظتها، هناك سر ما في ماضيه أيضاً هناك جروح لم تلتئم يوماً فالصدمة تُعرف عندما تراها، كان ميرفي ساحراً في هذا الدور الذي اعتمد بشدة على قدرته على تطويع ملامحه الحادة وهدوئه كممثل، لقد كان التيار العاطفي الحار في حكاية تيم ميلانتس الكئيبة الباردة. 

على الجانب الآخر نجد الأخت ماري التي أبدعت إيميلي واتسون في تجسيدها لتكون نقيضاً كاملاً لشخصية بيل إنها صارمة قاسية، صمتها يعكس برودة ثلجية قاتلة، أما أداء واتسون المثالي فقد عكس ببراعة القوة والسلطة التي تمتعت بها راهبات الكنائس في ذلك الزمن، في أحد المشاهد التي لا تفوت، تطوي الأخت ماري عمداً بعض المال في بطاقة عيد الميلاد وتسلمها لبيل كهدية عائلية، إنها تشتري صمته بطريقة مبطنة فهي مدركة أنه لو تكلم عما رآه، فإن صوته كرجل سيسمع أكثر من أي صوت نسائي آخر.

بمساعدة أداء واتسون البارد يتلاعب ميلانتس بالأجواء القوطية للرعب الكنسي الذي سيطر لعقود على أوروبا، لم يكن هناك أي داع لحوار حاد أو صراخ مثلاً، فإيميلي واتسون تألقت في دورها ونجحت في توضيح مدى قوة السلطة الدينية وسطوتها بكلمات قليلة تخرج من شفاه مزمومة، ونظرات جليدية كأنها شيطان يتنكر بلباس الراهبات. 

يستخدم ميلانتس الصورة كي ينسج عالم فيلمه، مستعرضاً صوراً بانورامية مضاءة بضوء الشتاء الباهت، لإظهار العالم البائس الذي يعيش فيه بيل، الدير ساحة المدينة كل شيء معتم بارد لا شيء مبهرج، إنه عيد الميلاد لكنه يخلو من البهجة بشكل مطلق، الألوان باردة كالحة الصمت يعم المكان باتفاق مجتمعي كامل، اصمت أو فليصب عليك غضب الرب.

لكن ومع كل ذلك لم يكن الفيلم على قدر التوقعات، إنه عمل مدروس مقدم بشكل دقيق يلتزم بأصله الروائي بصرامة مما منعه من تحقيق تواصل عاطفي معنا كمشاهدين. 

يروي ميلانتس قصة العمل بطريقة تقريرية الأمر الذي جعله مفتقراً إلى الألق العاطفي المتوقع، كما أنه واضح أكثر من اللازم مباشر في رسالته أشبه بوثائقي تاريخي الأمر الذي يجعلك تفقد الاهتمام أكثر من مرة رغم محاولات ميلانتس لإثارة تعاطف المشاهد أو خوفه أحياناً إلا أن أشياء صغيرة كهذه كان خالياً من العاطفة لدرجة جعلته مخيبا للأمل. 

 هناك سبب آخر لهذا في الواقع، إنه الانفصال الثقافي المتمثل في حقيقة أن المخرج البلجيكي لم يستطع إدراك الروح الايرلندية الطاغية على الرواية الأمر الذي جعل الفيلم بلا مشاعر حقيقة وخلق حاجزاً فاصلاً، حتى أداء ميرفي الأيقوني لم ينجح في تحطيمه، في الواقع الأمر الوحيد الذي قد يدفعك لإكمال الفيلم هو ميرفي نفسه الذي أثبت مرة أخرى أنه ممثل فريد من نوعه.


١٧ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Commentaires


alt-logolar-02-1.png

© 2025 by filmmuseum

bottom of page