Jurassic World: Rebirth: إعادة التدوير بلا إبداع
- ساندي ليلا
- 25 سبتمبر
- 4 دقيقة قراءة

كتبت ساندي ليلا:
منذ ظهورها الأول عام 1993 امتلكت أفلام الحديقة الجوراسية سحراً لا يخيب، إذ أنها تناولت واحداً من أكثر الموضوعات إثارة وتشويقاً الديناصورات، تلك الكائنات الضخمة الشرسة التي سادت الأرض يوماً قبل أن تندثر تماماً بسبب نيزك مدمر، مفسحة المجال أمام جنس مختلف كي يسود الأرض؛ جنس أقل حجماً، يخلو جسده من الأنياب، لكنه أشد شراسة بأضعاف إنه الإنسان.
مع استمرار سياسة هوليوود الأبدية في إعادة تقديم واستنساخ وتحديث الأعمال السينمائية التي حققت نجاحاً فائقاً ذات يوم، عادت السلسلة إلى الأضواء، وهذه المرة بفيلم حمل اسماً موحياً هو Jurassic World : Rebirth، بطاقم تمثيل مثير للاهتمام، سكارليت جوهانسون ومهراشالا علي.
فما الذي يمكن أن يفسد الفيلم؟ في الحقيقة، أشياء كثيرة فعلتها، وهو ما سنتناوله في هذه المراجعة.
بين وحوش التاريخ ووحوش ما قبل التاريخ
تبدأ أحداث الفيلم قبل عام 2010، بعد تسع سنوات من إنقاذ "إريك كيربي"، وخمس سنوات قبل حادثة "Jurassic World"، حيث أُنشئ مختبر سري تابع لشركة "إنجين" على جزيرة "إيل سان-هوبرت" في المحيط الأطلسي، بهدف ابتكار ديناصورات متحوّلة وراثياً.
لكن إحدى هذه الكائنات، وهي تيرانوصور مشوّه ذو ستة أطراف أُطلق عليه اسم "ديستورتوس ريكس"، يهرب من الاحتواء وينشر الفوضى، مما يجبر طاقم المنشأة على التخلي عن الجزيرة.
تُجنَّد زورا بينيت، وهي عميلة سابقة في العمليات السرية العسكرية، من قبل "مارتن كريبس"، ممثلاً عن شركة "باركرجينيكس" الدوائية، لتتعاون مع عالم الحفريات الدكتور هنري لووميس وقائد الفريق دونكان كينكايد في مهمة سرية إلى جزيرة "إيل سان-هوبرت" بهدف جمع عينات حيوية من أكبر الكائنات المنقرضة المتبقية، والتي يُعتقد أنها تحتوي على مفاتيح تطوير دواء جديد يفيد البشرية.
رغم البداية الهادئة للمهمة، إلا أن الأمور سرعان ما تتعقد بشدة بعد تحطم سفينة عائلية على ضفاف الجزيرة، ويتعين على بينيت إنقاذ حياتهم وحياة فريقها أيضًا.
يحاول الفيلم بوضوح اقتباس الأجواء الأسطورية لنسخة سبيلبيرغ الخالدة، حيث جمع بين التسلية والإثارة، إضافة إلى تسليط الضوء على وحشية الرأسمالية وقسوتها التي تضع المال قبل الحياة البشرية، لكنه، ومع هذا كله، افتقد عنصراً أساسياً تحتاجه هذه النوعية من الأعمال، التجديد والتوازن.

سرد تائه بين الطموح والتشتت
كانت بداية الفيلم بطيئة نوعاً ما، بطريقة تركز على تقديم الشخصيات الرئيسية، من خلال حوارات طويلة مملة تلقي المعلومات في وجوهنا إلقاءً، عوضاً عن تقديمها بشكل تفاعلي، مما أوقع السرد في فخ الإخبار لا الإظهار؛ مشكلة كلاسيكية تعاني منها معظم السيناريوهات الحديثة.
كان التشتت مرتكزاً في الخط الرئيسي للأحداث، إذ أنه، ورغم كونه مثيراً بما يكفي، إلا أنه كان تائهاً ضائعاً بسبب إدخال خط فرعي عن عائلة تائهة في البحر؛ خط لا يضيف للقصة أي قيمة فعلية. في كل مرة عاد فيها الفيلم إلى هذه الحبكة، كان الإيقاع متباطئًا، والإثارة منعدمة.
لا تجديد ملموساً في الحكاية، حكاية تقليدية رأيناها مراراً وتكراراً في أفلام الجوراسيك: الذهاب إلى الجزيرة، وقوع الكارثة، المطاردة، النجاة.
لا يوجد مفاجآت سردية هنا، ولا يحاول النص حتى أن يخترق النسق المعهود ولو قليلاً، الأمر الذي يجعل مشاهدة الفيلم تجربة باعثة على السأم، خاصة لو أن السلسلة مألوفة بالنسبة لك.
لقد حاول السرد أن يمزج الإثارة بالحنين، أن يذكرنا بعالم الجوراسيك الذي أبدع فيه ستيفن سبيلبيرغ يوماً، لكن النتيجة كانت محبطة: تشتت، ضياع، واعتماد مثير للسخط على وصفات جاهزة.
طاقم تمثيل كفء أكثر مما يلزم
سكارليت جوهانسون حاولت جاهدة أن تقدم زورا بينيت بطريقة أبعد ما يمكن عن "ناتاشا رومانوف" الشخصية التي التصقت بها لأعوام. رغم جهدها الواضح، إلا أن ضحالة الكتابة لم تسعفها كما ينبغي. لقد أدت المطلوب منها قدر ما أمكن، لكن تسطح الشخصية أرغمها للجوء إلى عالم "الأرملة السوداء" لمنح بينيت قليلاً من الألق والإنسانية، الأمر الذي خلق نوعاً من التوهان. في بعض اللحظات، تشعرك سكارليت أنك تشاهد فيلماً من عالم مارفيل.
أما مهراشالا علي، الذي يُعد من أقوى الأسماء في هوليوود، فقد قدم أداء هادئاً عميقاً كعادته، ومنح شخصية "دونكان كينكايد" لمسة محببة من النضج والتوازن. كما أنه نجح في خلق انسجام وتناغم لطيف مع جوهانسون. ومع ذلك، ظلت شخصيته تائهة في ظلال الفيلم، دون أن تمنح المساحة التي تستحقها.
روبرت فريند بدوره قدّم شخصية الثري الجشع الذي يظن أن العالم ملك أمواله. رغم الكاريزما التي منحها للدور، إلا أن الشخصية جاءت مسطحة، أحادية البعد، مكررة، ولم يستطع فريند تقديم أي جديد ملموس لها.
لقد امتلك الفيلم طاقم تمثيل مميز للغاية، مفعم بالأسماء العملاقة، لكن السيناريو خانهم وخان جهودهم الهائلة، برؤية إخراجية ظنت أن الصورة تكفي لصنع فيلم جيد، على حساب شخصيات كان يمكن لها أن تكون مميزة، خلاقة، لا مثيل لها.
خيبة أمل إخراجية… لا مثيل لسبيلبيرغ
من الواضح أن المخرج غاريث إدواردز آثر اللعب في المنطقة الآمنة، مستنداً إلى ما أثبته السابقون، دون أن يغامر بإضفاء هوية بصرية خاصة به أو تقديم أي جديد ملموس.
صحيح أن المشاهد البصرية كانت ممتعة من حيث المؤثرات، لكن العدسة لم تُوظف لإثارة الدهشة أو الرهبة كما فعل ستيفن سبيلبيرغ في النسخة الأصلية عام 1993، إذ قدّم الديناصورات لا كوحوش ضخمة فقط، بل ككائنات مقدسة تقريباً، مهيبة، صادمة، ساحرة.
في نسخة سبيلبيرغ، كانت الكاميرا تعرف تماماً متى تقترب وتحبس الأنفاس، ومتى تبتعد لتُظهر هشاشة البشر في مواجهتها. أما "إعادة البعث"، فقد افتقدت هذه الديناميكية، وبات الإخراج أسير الإبهار السريع، بدلاً من أن يمنحنا لحظات ترسخ في الذاكرة.
في الختام يمكن أن نقول أن Jurassic World: Rebirth كان مجرد محاولة مبتذلة لإعادة إحياء سلسلة أيقونية أحبّها الملايين.
ورغم امتلاكه كل العناصر التي تؤهله للنجاح — طاقم تمثيلي لامع، ميزانية ضخمة، مؤثرات مبهرة — إلا أن افتقاده لروح المغامرة والمجازفة حوّله إلى مجرد نسخة مصقولة بلا قلب.
إنه فيلم يمكن مشاهدته من باب التسلية، لكنه سرعان ما يُنسى، عكس ما فعلته النسخة الأصلية التي تركت أثراً عميقاً في الذاكرة السينمائية، في النهاية، لا يكفي أن تعيد إحياء الديناصورات…
عليك أن تعيد إحياء الدهشة.

تعليقات