Mee Raqsam رقصة هندوسية على أنغام صوفية
بقلم : جمال الدين بوزيان
قبل متابعة الفيلم، كنت متأكداً أنه فيلم يطرح قضية خلافية، وغير نمطية، فيلم جريء، يقف عند عتبة التابوهات، ويحاول كسرها بهدوء تارة، وبعنف صريح تارة أخرى، لأن منتجته هي الممثلة الهندية الكبيرة والجريئة في أفكارها (الفنية، السياسية، الاجتماعية) شعبانة عزمي (أو شبانة عزمي)، التي تحولت للإنتاج مؤخراً، مع بعض المشاركات في التمثيل من حين لآخر، لكنها في هذا الفيلم منتجة فقط، بينما قام أخوها بابا عزمي بإخراج الفيلم سنة 2020، في أول تجربة إخراج له.
تقريباً أغلب فريق العمل (خاصة الإنتاج، الإخراج، التأليف، مدير التصوير) هم من المسلمين الهنود، بينما تنوع الممثلون بين مسلم وهندوسي، مثل: Aditi Subedi في دور مريم، الفتاة المسلمة اليتيمة التي تحلم بالنجاح في تعلم الرقص الهندوسي الديني المسمى: بهاراتناتيام.
و لعب دور والدها الممثل دانيش حسين، وشارك معهما في البطولة Shraddha Kaul، Rakesh Chaturvedi ، Vikas Kumar Yadav، جهينة أحسن، إضافة إلى الممثل الكبير نصير الدين شاه، في دور شرفي، دور مرشد الجماعة الدينية، في القرية حيث تدور أحداث الفيلم، وهي نفس القرية التي نشأ فيها والد المنتجة شعبانة عزمي، وطلب منها قبل وفاته أن تصنع فيلما عن قريته في يوم من الأيام، وقد حققت له رغبته بعد وفاته.
أبطال الفيلم كلهم من ممثلي الصف الثاني وأصحاب الأدوار الثانوية، بعضهم قادمون من الدراما التلفزيونية ومن المسرح، باستثناء نجم بوليود نصير الدين شاه، وهو ما يجعل الفيلم يعتمد على قوة الفكرة، واحترافية إنجازها، وليس على أسماء النجوم المشاركين.
كما أن ميزانية الفيلم بسيطة، فهو ليس من الإنتاجات الضخمة، مدته تقريباً ساعة ونصف فقط، وشركة شعابنة عزمي للإنتاج، شركة فتية، ليست بالشركة الكبيرة والمعروفة جداً، وقصة الفيلم لا تحتاج لتقنيات كبيرة وديكورات وأزياء وبلاتوهات ضخمة، كما أنها تدور في قرية واحدة، ولا تستدعي السفر لمناطق أخرى في الهند أو الخارج.
التوزيع كان لشركة ZEE الشهيرة، وتم عرض الفيلم مباشرة على المنصات الإلكترونية، بسبب جائحة كورونا، التي كانت في ذروتها، خلال صدور الفيلم في شهر أغسطس سنة 2020.
في أول الفيلم، يبدو للمشاهد أن في الفيلم تحامل على الإسلام، والأقليات المسلمة في القرى الهندية، يبدو له و كأنه يحاول إبراز الجانب المتطرف فيهم، لكن فيما بعد، يبدو جلياً أيضاً الجانب المتطرف في بعض الأفراد والجماعات الهندوسية، وهي الفكرة العامة للفيلم، وهي نفس الأفكار التي تتبناها شعبانة عزمي دائماً، فكرة تعايش الثقافات والديانات المختلفة وكل الطوائف في الهند الواحدة.
الفكرة العامة والقصة مثيرة للخلاف والجدل، لكلا الطرفين، المسلم أو الهندوسي، فيها بعض المحاولات لخلق توافق وتوازن بين النقد الموجه لكلتا الطائفتين، حتى لا يبدو صناع الفيلم متحيزون لجهة معينة، وموضوعية الفيلم أو علمانيته ربما، أو دعوته لتوحيد الطوائف والديانات تحت عباءة الهند الواحدة، تتجلى في الرقصة الأخيرة، على منصة المسابقة، حيث ترقص البطلة، رقصة البهاراتناتيام الهندوسية التقليدية، بحركاتها وطقوسها الدينية المعروفة، على أنغام أغنية إسلامية صوفية، وهي الأغنية الوحيدة التي تضمنها الفيلم.
الأزياء وبقية تفاصيل المجتمع المسلم في الهند، كانت واقعية وبدون أخطاء، لأن فريق العمل الرئيسي أغلبه من المسلمين، بينما في أعمال سينمائية هندية أخرى، يتم أحيانا الوقوع في أخطاء وهفوات فيما يخص الشخصيات المسلمة وتفاصيلها، لما يكون فريق العمل هندوسي، ولا تتم الاستعانة بما يمكنهم من السينمائيين وصناع الأفلام المسلمين في بوليود وغيرها، بينما يذهب البعض لنظرية المؤامرة، ويتهم تلك الأخطاء بالمقصودة و المتعمدة.
ما يمكن قوله أيضاً عن فيلم "أنا أرقص" Mee Raqsam، أنه تجلي واضح لما يدور في ذهن منتجته من أفكار تنادي دائما ًبحرية الاختيار، وحرية المعتقد وسط مجتمع متعايش مع بعضه البعض، رغم اختلاف الطوائف والديانات، ويبدو أن المنتجة لن تتوقف عند هذا الحد.
بقلم: جمال الدين بوزيان
المقال نشر بجريدة الدستور العراقية/ العدد: 5256
Commenti