كيف يمكن لـ "نوري بيلجي جيلان" أن يشرح العنوان الفلسفي لفيلمه (ثلاثة قرود) من خلال رؤيته الإخراجية؟
- أيمن الشريف

- 22 سبتمبر
- 2 دقيقة قراءة
كتب أيمن الشريف_ أكاديمي متخصص في الإخراج السينمائي:

إن أهم الأسئلة التي يجب أن يجيب عنها المخرج هي: أين أضع الكاميرا؟ ماذا أقول للممثلين؟ هذا ما كتبه ديفيد ماميت في كتابه فن الإخراج السينمائي.
حصل المخرج نوري بيلجي جيلان على جائزة مهرجان كان السينمائي عام 2008 في فئة أفضل مخرج عن فيلم “ثلاثة قرود”. الفيلم لا يتحدث عن ثلاثة قرود، بل عن عائلة مكونة من ثلاثة أفراد يتصرفون كما يتصرف القرود الثلاثة: أحدهم لا يرى، الثاني لا يسمع، والثالث لا يتكلم. نلاحظ أن الشخصيات الثلاث ترى وتسمع وتتكلم، لكن المخرج يقصد أن هؤلاء لا يرون الحقيقة، لا يسمعون الحقيقة، لا يتكلمون الحقيقة. ندرك نحن كمشاهدين أن الفيلم يحتوي على عنوان مثير للاهتمام وأن المخرج استطاع أن يجذب انتباه الجمهور من خلال عنوان الفيلم الفلسفي قبل أن يعرض المشهد الأول في قاعة السينما.
المشاهد مكثفة جداً، حيث كشفت الصراع بين أفراد العائلة وبين صاحب العمل الذي دمّر العائلة بذريعة إخفاء خطئه. ولا يمكننا الحديث عن فيلم “ثلاثة قرود” دون التطرق إلى التقنية السينمائية والمؤثرات الصوتية والبصرية فهذا الفيلم بالتحديد هو في المقام الأول وسيط بصري. لهذا يطالب المخرجون الطموحون ومديرو التصوير بأن تُروى قصة الفيلم بالصور، وأن تُعبر الرسالة بصرياً حيث ينصح بعضهم بإيقاف الصوت لمعرفة ما إذا كان الفيلم يمكن فهم قصته من خلال صوره فقط.
معظم المشاهد لم تحتوِ على الكثير من الحوار، إذ تولت الكاميرا التعبير عن مشاعر الشخصيات حيث يمكن للكاميرا المحمولة باليد أن تمنح فهماً خاصاً لمفردات الفيلم التي تحمل معنى فلسفياً لأنها تتابع الممثل أو الممثلة وتراقب حركاتهم وتقترب من وجوههم للتحقق من اللقطات القريبة للوجه والعينين.
الصورة تقول ألف كلمة، بل يميل المرء أيضاً إلى تصديق الصورة الواحدة أكثر من ألف كلمة وهذه نقطة القوة الخاصة بالسينما ولهذا احتوت معظم المشاهد على صمت تام وحلّت المؤثرات الصوتية مكانه مثل رنين الهاتف المحمول الذي كان إشارة إلى تطور قصة الفيلم من خلال هاتف الزوج المحمول الذي رنّ في بداية الفيلم وأيضاً من خلال رنين هاتف الزوجة في مكتب صاحب العمل.
باختصار، يمكننا القول إن المخرج أخذ بعين الاعتبار كل الإمكانيات المتاحة لنقل فكرة الفيلم إلى المشاهد بالرغم من تصوير الفيلم في أماكن قليلة وقد جعل ذلك المشاهد تتركز على الشخصيات وليس على المكان مثل البيت، المحطة، السجن، مكتب صاحب العمل، الطريق.. وبذلك كانت هذه الأماكن كافية لنقل القصة من الورق إلى الشاشة.
الفيلم مهم لأن المخرج نوري بيلج جيلان أجاب على أهم الأسئلة التي يجب أن يجيب عنها المخرج: أين أضع الكاميرا؟ ماذا أقول للممثلين؟ لقد استطاع أن يكون مخرجاً ناجحاً من خلال ضبط حركة الكاميرا وأضفى لهذه التفاصيل اهتماماً خاصاً عبر لغة الرموز، مثل: المروحة في مكتب صاحب العمل، والزوج والزوجة يتحدثان بعصبية أمام البحر، والسماء الملبدة بالغيوم الداكنة. كما لم يغفل أيضاً توجيه الممثلين في أداء عفوي يتناسب مع كل ما ظهر في الكادر السينمائي.
الفيلم يملك مقومات النجاح، إذ يحتوي على جميع عناصر الجاذبية: اللغة البصرية مبهرة والقصة مضبوطة بعناية لكي يظهر أن “القرود الثلاثة” موجودون بكثرة في المجتمع وأن الناس ليس لديهم القدرة على تغيير واقعهم ولو أراد كل منا بعد مشاهدة الفيلم أن يجيب على سؤال المقالة: كيف يمكن للمخرج أن يشرح العنوان الفلسفي لفيلمه (ثلاثة قرود) من خلال رؤيته الإخراجية؟
ربما يكون الجواب الذي سنتفق عليه جميعاً هو: “ثلاثة قرود” ليس مجرد فيلم، بل مرآة لمجتمع يرفض مواجهة الحقيقة، بالرغم من أن الفيلم يحمل رسالة مهمة للعالم وهي أننا لا يجب أن نكون مثل القرود الثلاثة، بل علينا أن نكون إيجابيين.






























تعليقات