جوائز فيلم فير Filmfare Awards 2024 للسينما الجنوبية الهندية
رشح فيلم Jallikattu للقائمة الطويلة لأوسكار أحسن فيلم أجنبي سنة 2021، أو جائزة أحسن فيلم عالمي غير ناطق بالانجليزية كما يقال لها حاليا.
هو فيلم من سينمات الجنوب الهندي، من إقليم المالايالام بالتحديد، وهي سينما معروفة في الهند، ناطقة بلغة المالايالام ومتمركزة أكثر في ولاية كيرالا و ولايات أخرى مجاورة.
هي سينما شبيهة ببوليود، وببقية سينمات الجنوب الهندي (التاميل، الكانادا، التولوغو، البنغال....)، وهي جميعا سينمات تطورت مع الوقت مثل بوليود تماما، و لم تعد مقتصرة على الأفلام الغنائية الاستعراضية، وأفضل خطوة قام بها صناع السينما في الجنوب الهندي هو الانتقال لأنواع سينمائية أخرى، و عدم حصر إنتاجاتهم في السينما الغنائية الراقصة فقط، لأن بوليود متميزة جداً ومبهرة كثيرا في الجانب الاستعراضي عالمياً، و من الصعوبة منافستها في هذا الجانب، لذلك الميل نحو الإنتاجات الأخرى، يعطيهم فرصة أكثر لإثبات الذات أمام سينما مومباي.
الفيلم موضوع المقال اليوم، هو واحد من هذه الأفلام المختلفة، التي لا تحتوي على أي غناء أو رقص، و ربما هو مختلف لدرجة التطرف، تماما مثلما كان فيلم ريش المصري مختلفا جدا عن المعتاد و صادما لبعض المشاهدين و لبعض صناع الفن أنفسهم.
فيلم Jallikattu منتج سنة 2019، و تم إخراجه من طرف Lijo Jose Pellissery ، و كانت كتابة قصته من طرف كاتبين هما: R Jayakumar و S. Hareesh، و القصة في الأصل مقتبسة من كتاب بعنوان Maoist لـ S. Hareesh.
أبطال الفيلم الرئيسيين ليسوا من نجوم الصف الأول في المالايالام، والفيلم مليء بالممثلين المساعدين و أصحاب الأدوار الثانوية و الكومبارس، لأن طبيعة القصة تتطلب عددا كبيرا من الكومبارس الذين لعبوا دور سكان القرية مكان أحداث الفيلم.
لذلك، الحوارات في الفيلم و بحكم طبيعة لهجة المالايالام السريعة، وبحكم الكومبارس الكثيرين، كانت حوارات تبدو كأنها عفوية و كأننا في فيلم تسجيلي، وحتى طريقة التصوير، أحيانا تتحرك الكاميرا و كأننا في فيلم وثائقي أو تسجيلي، و ليس فيلما روائيا.
الفيلم شبه خال من الموسيقى التصويرية، حيث تم استعمال صوت عقارب الساعة المزعج كخلفية صوتية للأحداث عدة مرات، كما تم استخدام صوت الجاموس البري أيضاً في الخلفية الصوتية، وكذلك أصوات وعويل الغوغاء الهائجة في القرية، تم استخدامها كخلفية صوتية عند تسارع الأحداث.
القصة تدور حول جاموس بري هائج يهرب من عند جزار القرية قبل ذبحه بثوان، و يهيم في الغابة طيلة أحداث الفيلم، القرية تقع في غابة نائية في جبال الجنوب الهندي، حيث التقاليد القديمة، و طريقة المعيشة البدائية، و سلطة القانون شبه غائبة، و القرية كلها فقيرة، و مع ذلك خلقوا فيها بينهم نوعا من الطبقية خاصة بهم.
و بما أن القصة محورها هو الجاموس الهارب الذي كان على وشك الذبح، فالمؤكد أن ديانة أهل القرية ليست الهندوسية، حيث أن سكان القرية يتبعون الديانة المسيحية، لأن الهندوس لا يأكلون اللحوم الحمراء وخاصة الأبقار المقدسة عندهم، ويؤمنون بأن الآلهة تتجلى في صورة البقرة، فالأفاتار هو أساس الديانة الهندوسية.
وهي نقطة لم يهملها أبدا صناع الفيلم المالايالامي هذا، حيث في بداية الفيلم مباشرة تتم كتابة توضيح بالخط العريض قبل عنوان الفيلم، وهو توضيح بخصوص الحيوانات (الجاموس خاصة) في الفيلم، احتراماً و تفادياً لمشاعر الأغلبية الهندوسية، أوردوا تأكيدا بأن الحيوانات في الفيلم تمت صناعتها بالغرافيك والكمبيوتر، وأنه لم يتعرض أي حيوان حقيقي لأي أذى خلال تصوير الفيلم.
هي جملة واجب ورودها في أول الفيلم، لأن التجربة أثبتت أن المبادىء و التابوهات الهندوسية هي أكثر شيء ممكن يقلب الطاولة على كل صناع السينما في الهند مهما كانت قوتهم و شهرتهم.
فيلم Jallikattu غارق في المحلية الهندية الجنوبية، أغلب مشاهده خارجية، في غابة حقيقية تمثل البيئة الهندية الاستوائية المنسية، و هو اختيار موفق، لأن المحلية أحيانا كثيرة هي أحسن طريق للوصول للعالمية، و أفضل مسار للنجاح.
الفكرة العامة ظاهريا للفيلم هي الجاموس الهائج الهارب، لكن خلال سير الأحداث تمر الكاميرا حول أحداث جانبية تبرز بعض الجوانب و المشاكل الاجتماعية في مثل هذه المجتمعات المنسية في الهند.
كما أن نهاية الفيلم بموت الجاموس وتزاحم السكان حوله وصراعهم وتقاتلهم الدموي حول من ينال حظ الفوز به، جعلهم يتراكمون فوق الجاموس الميت، حتى شكلوا جبلا هائلا من الأجساد البشرية المحتشدة فوق بعضها، و كأنه جبل من الجهل والوحشية البشرية، التي فاقت كثيرا وحشية الجاموس المسكين الهارب.
في النهاية, الفيلم و كأنه يقول، بأن الوحش الحقيقي في هذه الحياة هو الإنسان لما يكون جاهلاً.
بقلم: جمال الدين بوزيان
المقال نشر بجريدة الدستور العراقية/ العدد: 5148
Comments